اجتماع مقتدى والعامري في طهران.. مؤامرة إيرانية جديدة !
هارون محمد
يتوهم من يعتقد أن دعوة إيران مليشياتها وأتباعها إلى تجنب الهجوم على أهداف أمريكية في العراق، هو خوف من رد الرئيس ترامب، الذي بات لا يتساهل مع الغطرسة الإيرانية، ولا يسمح للموالين لها بالتمدد أكثر، وقد ظهر ذلك بوضوح في اصطياد رجل إيران القوي، الجنرال قاسم سليماني، وزعيم أكبر مليشيا إيرانية التأسيس والتسليح (كتائب حزب الله) أبو مهدي المهندس، وإنما هي وقفة إيرانية، لالتقاط الأنفاس، وتقييم الأوضاع من جديد، بعد أن تبين لها أنها غير قادرة على المواجهة المسلحة مع واشنطن، وتكشفت لها، هشاشة سلاحها (الرادع) وعمى صواريخها، التي لا تفرّق بين طائرة (ايرباص) أوكرانية، وصاروخ (كروز) أمريكي.
وبرغم أن نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس كان أول من كشف، في حديث لشبكة (سي بي اس نيوز) الأربعاء الماضي، عن أن بلاده تلقت معلومات استخبارية، تفيد أن إيران، طلبت من المليشيات الموالية لها في العراق، عدم مهاجمة أهداف أمريكية، من دون أن يدخل في التفاصيل، إلا أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، كان أكثر وضوحاً، عندما قال: إن طهران اكتفت بالهجمات الصاروخية على قاعدتي حرير في أربيل، وعين الأسد في الأنبار، التي لم تسفر عن أي خسائر بشرية أو تخريبية، مؤكداً في الوقت نفسه، أن حكومته لا تسعى إلى التصعيد، وهذه رسالة واضحة، في معناها العام، ولكنها تُبطن في جانب منها، أن طهران لا تريد الاشتباك المسلح المباشر مع الأمريكان، وإنما ستعمل بهدوء للانتقام منهم، عبر السياسة، وهي التي تملك نفوذاً واسعاً، في العراق، قادرة على استغلاله لصالح أجندتها في أي وقت تشاء، خصوصاً وأن الطبقة الشيعية السياسية المتنفذة، والمليشيات المتسلطة، لم تعد تُخفي تبعيتها لإيران، وتجاهر بولائها للمعسكر الإيراني ضد الوجود الامريكي.
لقد أثبتت الأحداث والوقائع السياسية والأمنية في العراق، ومنذ احتلاله أمريكياً في نيسان 2003، أن إيران تعمل، وفقاً لنظرية (اللعب خارج الملعب) بعيداً عن الاحتكاك المباشر مع الأمريكان، وتوكل إلى أكثر من حزب أو كتلة أو مليشيا تنفيذ أدوارها، وتحقيق مصالحها في العراق، مع وجود سفراء لها في بغداد جميعهم من الضباط الكبار في الحرس الثوري وفيلق قدس، وآخرهم السفير الحالي ايرج مسجدي، أحد مساعدي سليماني، يتولون إصدار الأوامر وتوجيه الجماعات الموالية، عبر القنوات السرية أو (الدبلوماسية الخفية)، وهنا يجب الاعتراف، أن إيران نجحت في سياساتها، وأخضعت العراق إلى حاضنتها من دون ان تبذل جهداً، أو مالاً، كما فعل الأمريكان، بالعكس فإنها حصلت على مليارات الدولارات من العراق، عبر عقود وصفقات أنعشت أسواقها ودعمت اقتصادها.
ومن تابع تشكيل الحكومات في العراق، عقب الاحتلال، وتحديداً، منذ حكومة ابراهيم الجعفري مروراً بحكومتي نوري المالكي وحيدر العبادي وانتهاء بحكومة عادل عبد المهدي الحالية (المستقيلة)، لا يجد صعوبة، في رؤية الأصابع الإيرانية، وهي تلعب وتتلاعب من خلف الستار، ترفع هذا، وتُنزل ذاك، في مشهد كاريكتيري، يدعو إلى الأسى من انحطاط الطبقة السياسية المتنفذة في العراق، هذا البلد الزاخر بالكفاءات والمبدعين والعلماء والخبراء في جميع المجالات والميادين.
ولسنا، هنا، في معرض الشرح والايضاح، عن كيفية وصول عادل عبدالمهدي، إلى رئاسة الحكومة المستقيلة، عندما تفاهم قناص، وصاحب عمامة سوداء، على تشكيلها، هادي العامري ومقتدى الصدر، وهما من موالي إيران، ولا يُنكران ذلك، غير أن المثير في الأمر أن الاثنين عادا وعقدا، قبل يومين، سلسلة اجتماعات بينهما في طهران، هذه المرة، وليس في (حنانة) النجف، وجدول أعمالهما، كما أعلن عنه النائب الصدري رياض المسعودي أمس (الأحد) يتضمن ثلاث قضايا، أوردها بالتسلسل: بحث مستقبل القوات الأجنبية والمقصود بها الأمريكية في العراق، والعمل على تأسيس قرار سياسي وطني عراقي، بعيد عن التأثيرات الأجنبية، وضرورة التعامل الإيجابي مع المتظاهرين.
وإذا كنا نعرف، مسبقاً، أن العامري والصدر ضد وجود القوات الأمريكية في العراق، والأخير صعّد لهجته الغاضبة عليها، عقب مقتل سليماني والمهندس، فإن ما يُقلق، حقاً، أن الاثنين يبحثان في تأسيس (قرار وطني عراقي بعيد عن التأثيرات الأجنبية) وفي العاصمة الإيرانية بالذات! من دون أن يوضح لنا النائب الصدري المسعودي، هل أن المضيّفين الإيرانيين، الذين جمعوا الصدر والعامري، ربما في جناح بمقر الولي الفقيه، أو غرفة عمليات الحرس الثوري، سيكونون متفرجين، ولا يتدخلون في مسار الاجتماع، ويكتفون بالخدمة، وتقديم الشاي والقهوة للاثنين فقط؟!
هذه واحدة. أما الثانية، وهي قضية (التعامل الإيجابي مع المتظاهرين) لأنها أخطر من الأولى، في التوقيت والمواجهة، لسبب بسيط جداً، يتمثل في أن العامري، هو أحد أقطاب (الطرف الثالث)، الذي تبين أنه حكومة سرية، كما أثبت تسلسل الأحداث، مهمتها التصدي للتظاهرات السلمية، منذ أول يوم لانطلاقتها، وأن رئيسها هو الجنرال الايراني قاسم سليماني. أما وزراءها فهم: هادي العامري، وقيس الخزعلي، وابو مهدي المهندس، وابو زينب اللامي، وابو منتظر الحسيني، واكرم الكعبي، وحامد الجزائري، وشبل الزيدي، وابو الاء ولائي، وغيرهم من قادة المليشيات الايرانية التبعية والولاء !
إنها مؤامرة إيرانية جديدة، تُطبخ في أحد (قدور) فيلق قدس بطهران، على نار متوهجة للانتقام من العراقيين، والمتظاهرين السلميين، في مقدمتهم، وقد بدت الملامح الأولى لهذه المؤامرة باندساس بعض الصدريين، في ساحة التحرير، واحتلال منصة في المطعم التركي، وتسويق مرشحين، لرئاسة حكومة وطنية تطالب بها التظاهرات الشعبية، لخلق بلبلة، واختراقات في ميادين العز وساحات التحرير.
من يعقل أن يتحول قناصُ ارواحٍ، وذباحُ رقابٍ، وكاتمُ أصواتٍ، إلى متعامل (إيجابي) مع متظاهرين ثوار، يطمحون إلى استرداد وطنهم من الفساد والمليشيات، ويرفعون العلم العراقي، الذي لطالما مزقّه العامري وابو مهدي المهندس، برصاص الغدر، عندما كانا مرتزقة تحت إمرة سليماني !
في (الخميس) الماضي، ذكرت صحيفة (الأخبار) اللبنانية، الممولة من حزب حسن نصر الله، أن إيران عمدت، عقب مقتل سليماني والمهندس، إلى (تغيير الآليات وتبديل قواعد الاشتباك) في العراق من دون أن تكشف عن شكل تلك الآليات الجديدة، وطبيعة قواعد الاشتباك المستجدة! والسؤال، الذي يقفز إلى الواجهة، هل اجتماع الصدر والعامري في طهران، فاتحة لتلك الآليات، ومقدمة لقواعد اشتباك سياسي، تعيدان الروح لحكومة عادل عبدالمهدي، الذي يتسول الرضا حالياً من البارزانيين، وورثة جلال طالباني، أم ان وجهاً إيرانياً جديداً في الطريق؟
ايران هُزمت في الجولة الأولى، من المواجهة العسكرية مع واشنطن، واعترفت، ضمنياً، بذلك، ولكنها لم تستسلم، وتريد تعويض خسارتها العسكرية بانجاز سياسي، قد يكون على نحو حكومة جديدة موالية لها، أو تدبير انقلاب داخلي، يضمن سيطرتها، ما دام (وكلاؤها) يحكمون في العراق، ويتحكمون بمصيره .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق